عقوق الابناء للاباء .. ليس جريمة قانونية بل اخلاقية وتحتاج الى تشريعات قانونية

Wasit News8 سبتمبر 2019آخر تحديث :

تقرير عدوية الهلالي .. بغداد
نشاهد احيانا على مواقع التواصل الاجتماعي حالات مؤلمة بسبب عقوق الابناء مثل ترك طرد ابن لوالدته المسنة والقاء اغراضها في الشارع ، والعثور على امرأة مسنة وعاجزة متروكة منذ ايام في الشارع ، فضلا عن العديد من الحالات التي تزخر بها دور المسنين والمحاكم ، ولأن المجتمع العراقي معروف بالترابط الاسري والالتزام بالقيم والاعراف الاجتماعية فلابد ان هنالك اسباب تؤدي الى تزايد هذه حالات العقوق مؤخرا ومايترتب عليها من معاناة لشريحة المسنين التي تستحق الرعاية والاهتمام بعد سنوات من العطاء والتضحية للابناء ..

صلة رحم

يعتبر العقوق من الكبائر في الدين الاسلامي – حسب الشيخ محمود العاني من جامع الرحمن – فاذا تذمر الابناء من والديهم او احدهما او تكبرا عليهما او تمردا على اسلوب تربيتهما او اذا تمادى الابناء في العقوق الى درجة ذم الآباء او ضربهما او القائهما في الشارع او دور المسنين فهم بذلك يخسرون رضا الله كما يمكن ان يبتلى الابناء باولاد يعاملونهم بنفس الطريقة في المستقبل ، مشيرا الى ان من اهم اسباب العقوق هو الجهل بالعواقب المترتبة عليه او الانتقام من قسوة الاهل في تربيتهم وقد يكون ذلك بتاثير من زوجة الابن او زوج الابنة الذين يرفضون تواصل ازواجهم مع آبائهم ، بينما ينبغي على الابناء ان يجعلوا آباءهم في موضع الاهتمام والعناية فلايقطعوا صلة الرحم بهم ويسعوا الى الحصول على رضاهم قبل ان يفقدوهم فكم من ابن لايشعر بقيمة والديه في حياتهما ويندم على ذلك بعد وفاتهما ..وينصح الشيخ العاني الابناء بالاصغاء الى الآباء ورعايتهم واستشارتهم ليشعروا بوجودهم والا يطيعوا زوجاتهم وازواجهم اذا ماكانوا سببا في قطيعتهم مع آباءهم لأنهم سيندمون على ذلك وسيخسرون رضاهم وبالتالي رضا الله عنهم لأن رضا الله من رضا الوالدين ..

اما الدكتورة أسماء محمد المتخصصة في علم الاجتماع فترى ان العقوق ليس السلوك القاسي الذي يمارسه الابن علنا مع والديه فقط بل هنالك نوع من العقوق يدعى العقوق الصامت ويتمثل في استغلال طاقة الاباء بعد تقدمهم في السن في تربية الابناء وخدمتهم أواهمالهم بعدم زيارتهم او استقبالهم في منازلهم كضيوف ثقلاء وعدم مجالستهم والتحدث معهم والاستماع الى همومهم والعناية بصحتهم وترفيههم خاصة وان المسن يصبح شديد الحساسية ويتصرف احيانا كالاطفال فيتألم من اقل كلمة ويجرحه اي فعل مقصود او غير مقصود لذا ينبغي على الابناء مراعاة الوضع النفسي للوالدين المسنين ومحاولة تقديم العون والرعاية والاهتمام لهما مقابل السنوات التي افنياها في تربية الابناء وتحمل كل متاعبهم والانفاق عليهم وان تكون خاتمة رسالتهم في الحياة محطة استراحة وهدوء ودفء اسري ..

في الوقت الذي يركز فيه الدكتور اياد شناشيل المتخصص في علم النفس على ضرورة ترفيه المسن حتى وان كان نزيلا في دار المسنين لكي لايقضي وقته في حساب ايامه بانتظار الموت لأن هذه الحالة تسبب له الاحباط فالمسن يحتاج الى رعاية وعطف وحنان ودلال اكثر من الطفل لأن الطفل قد يطلب حاجاته بنفسه اما المسن فينتظر الاهتمام من الاخرين وقد يعجز احيانا عن مطالبتهم بذلك ..وفي مايخص نزلاء دور المسنين يرى شناشيل ان من الضروري تنظيم زيارات ميدانية لهم من قبل المنظمات الانسانية والمؤسسات الاعلامية ومن السياسيين والشخصيات الفنية والاجتماعية لتلبية حاجاتهم وليشعروا بالاهتمام والتواصل ..

في دور المسنين

قد تنتهي رحلة حياة بعض الآباء في دور المسنين طوعا او كراهية فهنالك من يسعى لدخول تلك الدور للتخلص من اهمال الابناء او الوحدة او من يلقي بهم ابناؤهم فيها للتخلص من مسؤولية رعايتهم في كبرهم ، لكن تلك الدور لاتكفي لاستيعاب اعداد المسنين ولاتلبي كل احتياجاتهم لأنها قليلة والرعاية فيها لاترقى الى مستوى الدول المتقدمة لذا يشعر المسنون فيها ايضا بالتهميش والعزلة عن المجتمع ..

وكانت وزارة التخطيط قد اعلنت في عام 2018 ان نسبة المسنين في العراق بلغت 3% وفقا لتقديرات الجهاز المركزي للاحصاء مايعني ان المجتمع العراقي يعد من المجتمعات الفتية – حسب المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي – الذي يؤكد على تحسن الوضع الصحي للسكان وسعي الوزارة لايجاد الوسائل المناسبة التي تدعم هؤلاء السكان وتمكنهم من العيش بامان وكرامة ، في الوقت الذي يشكو فيه المسنون من حاجتهم الى قانون جديد يضمن رواتبا تقاعدية لكبار السن ممن لايمتلكون رواتب تقاعدية – وهو النظام المعمول به في اغلب الدول المتقدمة اذ يحصل المسن على راتب ” ضمان الشيخوخة ” لكي يعتمد على نفسه ولايحتاج الى اعالة الابناء له وهو مايضطر بعض المسنين الى التوجه الى دور المسنين لضمان اعالتهم في حالة تنصل ابنائهم عن تلك المسؤولية ..

ويلخص مدير دار الرشاد للمسنين جاسم الغراوي شروط استقبال المسن حسب القانون رقم 41 لعام 1985 بان يبلغ سن 60 سنة فمافوق بالنسبة للرجال و55 سنة فما فوق بالنسبة للنساء وان يكون فاقدا للرعاية الاسرية ولايحتاج الى رعاية طبية مستمرة فضلا عن امتلاكه المستمسكات الرسمية الثبوتية مشيرا الى اضطرار الدار الى استقبال حالات لاتتوفر فيها تلك الشروط بدافع انساني او في حالة العثور على مسن متروك في الشارع او على باب دار المسنين ومؤكدا على عدم وجود قانون يلزم الابناء برعاية الآباء ورفض اغلب الآباء التقدم بشكاوى للمحاكم للحصول على الاعالة او النفقة من ابنائهم ..

اما الباحث الاجتماعي مؤيد جميل فيؤكد على ضرورة الاهتمام بالآباء لكي لايضطروا الى اللجوء الى دور المسنين فليس هنالك قانون يجبرهم على ذلك وعقوقهم لايعتبر جريمة قانونيا لكنه تقصير اخلاقي بحق الآباء ..وينوه جميل الى وجود حالات دمج اسري حدثت بين الأبناء والآباء وتم بموجبها اعادة الاباء الى اهاليهم لكنها حالات قليلة لذا يطالب بتشريع قانون يفرض على الابناء زيارة آبائهم في دور المسنين والعناية بهم صحيا والانفاق عليهم اذا ماكانوا بحاجة الى رعاية صحية مكثفة ..

من جانبه ، يدعو حسام عامر من الفريق الطوعي لرعاية المسنين لكفالة المسن صحيا من قبل الدولة بعد عثورهم على مسنين في المستشفيات عاجزين عن دفع اجور علاجهم مع التأكيد على تسهيل استقبال المسنين الذين لايمتلكون مستمسكات رسمية في دور المسنين فضلا عن ضرورة تواصل الابناء مع المسنين من نزلاء تلك الدور ..

في الوقت الذي يؤكد فيه المحامي احمد ابراهيم على وجود المادة 61 من القانون العراقي التي تلزم الابناء الميسورين بالنفقة على الآباء العاجزين ومعاقبتهم قانونيا في حالة عدم تنفيذهم قرار المحكمة لأن النفقة على الوالدين تعد دينا عاما من الدرجة الثانية ، مشيرا الى ازدياد الدعاوى الواردة الى محاكم الاحوال الشخصية بخصوص مطالبة الاباء بالحصول الى النفقة او الاعالة من اولادهم ..

ويعود الباحث الاجتماعي مؤيد جميل ليؤكد على ضرورة دمج المسنين في المجتمع بعد انكسارهم نفسيا والسعي لتحسين اوضاعهم ومعاملتهم باحترام وتقدير عطائهم من خلال تشريع قوانين تضمن توفير حياة معيشية وصحية جيدة لهم .