عطلت جسورًا وأغرقت قرى.. فيضانات واسط تحصد أرواحًا وتنعش آمالًا!

Wasit News14 أبريل 2019آخر تحديث :


جبار بجاي ( صحفي عراقي ) // بعد أن عطّلت بعض الجسور على نهر دجلة وأدت الى غرق أراضٍ زراعية واسعة واجتاحت قرى عديدة، وصلت الفيضانات التي تجتاح المدن الواقعة على حوض دجلة في محافظة واسط، المرحلة الأكثر خطرًا وهي حصد الأرواح، إذ سجلت المحافظة ثلاث حالات غرق لفتاتين شقيقتين في منطقة برينج بقضاء العزيزية، وشاب لقى حتفه في دجلة وسط مدينة الكوت، لكنها مع ذلك أنعشت الأمل لدى الواسطيين بتحقيق حلمهم بإنشاء مشروع سياحي وترفيهي قرب سدة الكوت.
الموجة الفيضانية الكبيرة القادمة عبر نهر دجلة والتي كان متوقع لها أن تنحسر أو تستقر يوم أمس الجمعة، طبقًا لتصريحات مسؤولين محليين في محافظة واسط لاتزال مستمرة، بل على العكس ارتفعت المناسيب وزاد حجم الإطلاقات المائية عند مُقدم ومُؤخر سدة الكوت باتجاه محافظتي ذي وميسان عن طريق نهر الغراف ونهر دجلة، وهو ما زاد مخاوف المواطنين القاطنين في المناطق القريبة من النهر.

ارتفاع منسوب مياه نهر دجلة في محافظة واسط

واسط تناشد وصلاح الدين أول من لبى النداء
قبل ذلك، كانت وجهت حكومة واسط المحلية نداءً إلى المحافظات الأخرى لدعمها بالأليات والجهد الهندسي، وناشدت عمليات بغداد لتجهيزها بنحو ألف كتلة خرسانية من الكتل التي تم رفعها من شوارع بغداد لاستخدمها في تدعيم أكتاف نهر دجلة المتآكلة، والتي تمتد على طول النهر البالغ 327 كم ضمن حدود المحافظة، إذ تُشكل بعض الأكتاف خطرًا كبيرًا نتيجة الانهيارات والتكسرات في أجزاء كبيرة منها لغياب أعمال التأهيل والصيانة لها في السنوات الأخيرة.
استجابت للنداء محافظة صلاح الدين، التي لاتزال تواجه هي الأخرى خطر السيول والفيضانات ومخاطر إطلاقات سد الموصل، بإرسال عدد من الآليات التخصصية كالقلابات والحفارات والشفلات التي تم زجها على الفور في العمل، وكان لهذا الموقف أثرًا طيبًا عند الواسطيين.

الموجة الفيضانية القادمة من مؤخر سدة سامراء، إضافة إلى السيول الإيرانية القادمة عن طريق نهر ديالى، لاتزال مستمرة حتى الآن، وعلى الرغم من السيطرة عليها من قبل خلية الازمة في المحافظة وتمريرها عن طريق سدة الكوت وناظم صدر الغراف والدجيلة والرحمة وباقي الأنهار الأخرى التي تتغذى من مُقدم سدة الكوت، فإن ذلك لم يمنع حصول أضرار في بعض المناطق وغرق بعض القرى وزيادة أعداد العائلات التي تم ترحيلها، أو التي تم تبليغها بالإخلاء إذا ما استمرت المناسيب في الصعود مع الضرر الذي أصاب أراضٍ زراعية واسعة.

جهد الحشد الشعبي

إزاء هذه التداعيات استدعت فرقة العباس القتالية ضمن قوى الحشد الشعبي، قوتها الاحتياطية للمشاركة في درء خطر الفيضان عن محافظتي واسط وميسان، ووصلت آليات الجهد الهندسي للفرقة إلى المحافظة.

يقول ممثل الفرقة في واسط، رياض الجوراني لـ “الترا عراق”، إن فرقته التي تملك جهدًا هندسيًا مميزًا كلفت للمساهمة في درء خطر الفيضانات في واسط وميسان، وفعلًا تحركت آليات الجهد الهندسي للفرقة وقواها الاحتياطية وتم شطرها الى نصفين، ووضعت كل الإمكانيات تحت تصرف خلية الأزمة في المحافظتين المذكورتين”.

آليات تابعة للحشد الشعبي تساهم في جهود درء خطر الفيضانات

يوضح الجوراني، أن “الجهد الهندسي تمثل بآليات تخصصية مثل الشفلات والحفارات والقلابات والزوارق النهرية وجميعها تعمل حاليًا ضمن قواطع محددة بمحافظة واسط، وتم التغلب على الكثير من المشاكل من أهمها معالجة الاكتاف والسداد لنهر دجلة، والتي كانت تُشكل خطرًا على المواطنين خشية انهيارها وحصول تكسرات فيها بين لحظة وأخرى”.

في السياق ذاته، شارك لواء علي الأكبر التابع إلى العتبة الحسينة في عمليات الجهد الهندسي والإغاثة في واسط من خلال إرسال آليات تخصصية مماثلة، مع كمية كبيرة من الأكياس لتعبئتها بالرمل ووضعها كسداد واقية في بعض المناطق، إضافة إلى 150 مقاتل من مقاتلي اللواء يعملون حاليًا ضمن حوض نهر الغراف بالمحافظة لتدعيم أكتافه.
يقول آمر اللواء علي الحمداني، إن “آمرية اللواء حين سمعت نداء الاستغاثة من حكومة واسط المحلية، شكلت على الفور لجنة خماسية برئاستنا لإغاثة المتضررين وبمساهمة لقيادة علميات الفرات الأوسط للحشد الشعبي، وتم التواصل بشكل مباشر مع الحكومة المحلية في واسط لتحديد المناطق الاكثر خطرًا والتي ينبغي أن نعمل فيها تحت إشراف وتوجيه خلية الازمة”.

تركز عمل الفرقة في ناحية شيخ سعد، حيث الكميات الهائلة من المياه تتدفق إلى هور المصندك، بإنشاء سواتر وتسليك المياه المتدفقة إلى هور المصندك من خلال تعميق قناة التصريف وتوسيعها، وأيضا العمل في تدعيم أكتاف النهر، وفق الحمداني. فيما بادرت وزارة الصناعة بإرسال كميات كبيرة من حجر الكلس إلى محافظة واسط لاستخدمها في تدعيم المناطق المتآكلة لسداد نهر دجلة ابتداءً من قضاء الصويرة والزبيدية والنعمانية وصولاً إلى ناحية شيخ سعد.

ممثل عبد المهدي على حافات المصندك

الإشكالات التي واجهت تصريف المياه من هور المصندك إلى أهوار محافظة ميسان، ومنها محاولة بعض المزارعين منعها من المرور خشية الخسارة الكبيرة التي ستصيبهم جراء الغرق الكامل لمحاصيلهم الزراعية، دفع رئيس الوزراء إلى إرسال الأمين العام لمجلس الوزراء، حميد الغزي، على رأس وفد ضم وزيري الزراعة والري وقائد عمليات الرافدين، إضافة إلى كبار خبراء وزارة الموارد المائية مع الحكومة المحلية في واسط، لإيجاد حل لذلك.

وأدى الارتفاع المتزايد في مناسيب نهر دجلة، إلى خروج بعض الجسور عن الخدمة، وسط ترقب لعمل الأخرى التي تواجه مخاطر الغرق.

يقول مدير الطرق والجسور في واسط، سعدون كريم حسين المنيهلاوي لـ”الترا عراق”، إن “جسر السلام شمال قضاء الصويرة والذي يربط بعض مناطق القضاء مع المدائن جنوب بغداد خرج عن الخدمة كليًا بعد أن غمرته المياه، كما أصبح جسر برينج في قضاء العزيزية وهو من الجسور العائمة والقديمة خارج الخدمة، والجسر الحديدي الرابط بين مركز مدينة الكوت وحي أنوار الصدر، تم قطعه أمام المركبات بعد أن ارتفع منسوب مياه النهر الى مستوى الجسر”.

يوضح المنهيلاوي، أن “جسر الموفقية على نهر الغراف في وضع جيد حتى الآن لكن الضرورة تقضي منع مرور المركبات الكبيرة عليه خشية انهياره، والحال كذلك أيضًا مع جسر الأحرار على دجلة الذي لازال يعمل، لكن بترقب من قبل كوادرنا وإدارة القضاء كون منسوب الماء وصل إلى مستوى عال قد يعرضه للخطر”، مؤكدًا وضع عوارض في مدخل كل جسر تمنع مرور المركبات العالية والكبيرة، لغرض المحافظة على الجسرين”، فيما دعا الحكومة المحلية، إلى أخذ دورها بمنع أي مركبة ذات حمولة عالية من المرور على الجسرين لحين زوال الخطر عنهما.

أرواح البشر أفدح الخسائر

لكن أفدح الأضرار التي تواجهها محافظة واسط، جاءت مؤخرًا حين سجلت حادثتي غرق، بعد الأضرار التي أصابت المزارع والبساتين والقرى القريبة من النهر وتعطل قسم من الجسور العائمة. يقول العميد سمير رزاق المكصوصي مدير الدفاع المدني في واسط، إن “أكثر مانحرص عليه هو حماية أرواح المواطنين والحفاظ على ممتلكاتهم ولدينا أكثر من 25 فريق عمل يتواجد في أغلب المناطق المعرضة للفيضانات، وأصدرنا توجيهات بهذا الخصوص، الأساس منها حماية أرواح الناس”.

وأضاف،: “حذرنا الشباب من التقرب إلى النهر خاصة في المناطق المعرضة للانهيار، لكن للأسف بسبب جهل البعض بالتحذيرات حصلت حادثتي غرق، الأولى لفتاتين شقيقتين والثانية لشاب آخر لقي حتفه غرقًا”، مبينًا أن “فتاتين من إحدى البيوتات القريبة من حوض النهر في منطقة برينج بقضاء العزيزية، كانتا تقفان على كتف النهر الذي انهار، ما أدى إلى غرقهما ووفاتهما في الحال في حين تمكنت، مفارزنا بالتعاون مع المواطنين من انقاذ فتاتين أخريتين في نفس المكان وهما الآن في المستشفى”.

كما أشار، الى أن فرق الانقاذ تمكنت، عصر الجمعة 12 نيسان/أبريل، من انتشال جثة شاب لقي حتفه غرقًا في نهر دجلة بعد البحث عنه من قبل فريق الغواصين لأكثر من ساعة ونصف في حوض النهر.
وحذر المكصوصي، من الاقتراب من النهر الذي تصاعدت مناسيبه وأيضا من التجمهر على الجسور، وفي المناطق الأخرى رغبة بالتمتع بمنظر “الشط”، الذي لم يألفه الكثير خاصة الشباب منهم بعد أن تحول في السنوات الأخيرة إلى نهر صغير انتشرت فيه المنازل والمزارع والمشيدات الأخرى قبل أن يجرفها الفيضان.

سدة الكوت.. بانتظار النور

المشهد غير المألوف منذ سنوات كثيرة لنهر دجلة ولسدة الكوت ذائعة الصيت، دفع العشرات من العائلات الواسطية والكثير من الشباب إلى التوافد عليهما يوميًا خاصة السدة التي بدت وكأنها منتجع سياحي، داعين الحكومة المحلية إلى التفكير جديًا بتحويل السدة إلى معلم سياحي يجذب المواطنين في واسط ومن المحافظات الأخرى.

عشرات المواطنين يتجمعون عند سدة الكوت للتمتع بمنظر المياه المرتفعة

يقول الشاب علاء حسين كاظم البعاج لـ “الترا عراق”،: “سمعت الكثير من والدي وأقاربي عن سدة الكوت وكيف كان النهر ذلك الوقت حيث مياهه في أوج عنفوانها، على العكس مما هو قبل نحو شهرين من الآن حيث قلة الماء وكثرة التجاوزات فيه”، معربًا عن أمله بأن تكون هناك جدية لدى الحكومة المحلية بتحويل سدة الكوت إلى منتجع سياحي وترفيهي يمكن أن يحقق إيرادات عالية، مع ضرورة رفع كل التجاوزات على حوض النهر ومحاسبة المخالفين.

بدوره يرى الفنان جلال الشاطئ، أن “الوقت قد حان لأن تعود سدة الكوت الى ذات الجمال والطبيعة التي كانت عليها في السنوات الماضية، يوم كان دجلة يوصف بـالنهر الجبّار على العكس مما هو عليه قبل الفيضانات الحالية”، مع آمال بإنشاء مسرح صيفي على كورنيش السدة الذي أصبح مزدحمًا بالمارة مع التركيز على رفع التجاوزات كليًا وعدم القبول بها بعد الآن.

يأمل الواسطيون كذلك، وجود استثمار حقيقي للمياه وعدم هدرها نحو البحر دون فائدة، من خلال إقامة منتجعات ومدن ترفيهية، تضمن خزن المياه بالدرجة الأولى للاستفادة منها في مواسم الجفاف.

وكانت أول دراسة لإنشاء سدة ميكانيكية حديثة على دجلة قد ظهرت في عهد الحكومة العثمانية التي كلفت مهندس الري الانكليزي ،السير وليم وبلكوكس، بوضع تصاميم لبناء هذه السدة لتنظيم الإرواء على دجلة عام 1911، لكن نشوب الحرب العالمية الأولى جعل الحكومة العثمانية تصرف النظر عن المشروع لانشغالها بتلك الحرب.

لكنه مع تشكيل الحكومة الوطنية تم التفكير بإنشاء السدة على دجلة لتنظيم إرواء أراضي الكوت والأراضي التي تقع الى الجنوب والجنوب الشرقي من الكوت (180 كم جنوب بغداد)، بعد أن كانت مياه دجلة تنقطع عن المرور في نهر الغراف بضعة أشهر في منتصف كل سنة.

مشروع السدة نفذته شركة “بلفور بيني” الإنكليزية بمبلغ مليون و119 ألف و430 دينارًا آنذاك، حيث تمت المباشرة بالعمل في سدة الكوت أواخر عام 1934 واستمر العمل بها حتى آذار/مارس 1939 وافتتحت في في الـ 29 منه.

كانت السدة بممر واحد، وفي عام 1967 تم توسيعها ليكون جسرها بممرين للذهاب والإياب. وتتكون سدة الكوت من 56 بوابة، عرض كلٌ منها ستة أمتار وعرض كل دعامة بين بوابتين متجاورتين 2.25 متر وارتفاعها ثمانية أمتار، ويبلغ طول السدة 500 متر وعرض الممر الملاحي 16.5 مترًا وبطول 80 مترًا.

كما تعتبر سدة الكوت التي تقع على نهر دجلة، من أهم المشاريع الإروائية في العراق، وقد ساهمت بإحياء أكثر من مليون ونصف المليون دونم من الأراضي الزراعية في المحافظات الثلاثة. ومن أهم المنشآت المرتبطة بسدة الكوت، ناظم الغراف ويقع عند مُقدم السدة ويتكون من سبع بوابات، عرض كلٌ منها ستة أمتار وفيه ممر ملاحي بعرض ثمانية أمتار.

يغذي الغراف الأراضي الزراعية الممتدة من قضاء الموفقية بمحافظة واسط مرورًا بقضاء الحي ثم الأراضي الزراعية الواقعة بين قضاء الشطرة في محافظة ذي قار، حتى الحدود الإدارية مع محافظة واسط.

تجدر الاشارة، إلى أن هذه السدة التي كانت ولاتزال معلمًا مهمًا من معالم محافظة واسط، وأيضًا من المعالم العراقية الجميلة قد تعرضت الى ضربتين عسكريتين خلال حرب الخليج الأولى عام 1991، تسببت الأولى بسقوط منظومتي التشغيل الميكانيكية والكهربائية والأبراج الحاملة لها مع سقوط فضائين وتعطيل أربع بوابات، أما الضربة الثانية فتسببت بسقوط فضائين في الجانب الأيسر من السدة وتعطيل تسع بوابات عن العمل ابتداء من البوابة 44 ــ 52، وأعيد إصلاحها من ملاكات شركة الفاو.