النقد يترك التعميم والخارج ويأخذ طريقه للشعر في واسط

مهرجان سابق يطرح نفسه خلال عام 2014

Hamza M. Al-Hachami10 يناير 2015آخر تحديث :
Hamza M. Al-Hachami

كنا قد اقترحت في الملف الذي نشر في (الزمان) في العام الماضي عن مهرجان المتنبي الحادي عشر ان تكرس عدد من الدراسات النقدية عن نظرة الشعراء المشاركين في المهرجان الى المتنبي، ولاسيما ان المهرجان بكل سنواته قدم الكثير من القصائد التي تعكس هذه النظرة، ولا نريد ان نصادر جهد الذين اقترحوا ونفذوا موضوعات الدراسات النقدية التي قدمت في المهرجان، فقد قدموا جهدا يستحق التقدير اذا اضافوا الى الدراسات النقدية التي تتناول المتنبي في عيون شعراء مهرجان المتنبي العاشر، ودراسات عن الشاعر حميد حسن جعفر، ودراسات عن الناقد الصكر وهذه الدراسات مختلفة  عن بعضها، فبعضها يهتم بالسيرة، والبعض الاخر يتطرق الى نص واحد، وهناك دراسات تتابع وتدرس حاتم الصكر في مجمل مسيرته، وما قدمه من نقد لقصيدة النثر.

ومع ان هذه الدراسات تقع في صميم مهرجان المتنبي، ودوره في الثقافة العربية، الا انها  انجزت وقدمت من خلال اسماء  من المحافظة، وهي اسماء لها تاريخها الطويل في الكتابة، ولها ما يميزها، ويجعلها ذات استحقاق جدير بالكتابة عن المنجزات الادبية والثقافية في المحافظة والدراسات التي تناولت نظرة الشعر العراقي  للمتنبي ولاسيما الشعر الذي القي في المهرجان، من شأنها تعزيز هذا الحضور وتعزيز تناولها للشعر العراقي، ويمكن ان يؤدي ذلك الى تناولها للشعر العراقي، ويمكن ان يؤدي ذلك الى تناول وابراز شعراء من محافظات كان صوتها الشعري خافتا وضعيفاً، وكانت اقرب للظل، كما ان مثل هذه الدراسات تعزز من التفاعل الشعري بين المحافظات، اذ ان الدراسات التي قدمت في مهرجان المتنبي الثاني عشر لم تقتصر على شعراء واسط فقط، وانما تناولت جميع الشعراء  العراقيين المشاركين في مهرجان المتنبي العاشر، وهذا يعطي فاعلية نقدية للمهرجانات الادبية، ويعطيها قوة تمثيل للشعر العراقي، ولم تكن كذلك، اذ كانت المهرجانات تتصرف مع المهرجانات بمعزل عن الشعر الذي يلقى فيها، وكان الدارسون والنقاد قلما يعتمدون دراسات المهرجانات في مصادرهم ومراجعهم، وانما يبحثون عن هذه المصادر والمراجع خارج هذه الدراسات لانها تخلط بين الشعر والسياسة ولانها موسمية ولان من الصعب تصنيف شعراء المهرجانات في اطر معينة، ولكن الذي تحقق في مهرجان المتنبي الثاني عشر ان الشعر كان بعيدا عن السياسة، ولم يكن وجوده في الشعر ثقيلا، وكان بامكان النقاد والدارسين تناوله بشكل عرضي وابعاده جزئيا وكليا عن دائرة الدراسة والمقالة.

مداخل ومفاتيح

يجد النقاد والدارسون صعوبة في تناول ودراسة قصائد المهرجان، فقد اعتادت الدراسات ان تتناول مادتها من القصائد والقصص والمسرحيات من خلال محور معين، يجمع بين النصوص، ويعطيها قدرة على جمعها في اطار ظاهرة معينة، محور معين، جيل معين، اتجاه معين، واذ يتعامل النقاد والدارسون مع نصوص شعرية، تمثل خارطة الشعر  العراقي بعدد كبير من القصائد، فان من الصعب وضع كل هذه الخارطة في اطار محور معين، او دراستها  في حدود جغرافية معينة، او حالة نفسية واجتماعية معينة فهي ليست قائمة على اي محور من هذه المحاور، ولم يتم تصنيف الشعراء والنصوص حسب الجلسات الشعرية، كما ان اعتماد التصنيفات السابقة في التعامل مع شعر المهرجان قد يؤدي الى الحاق الظلم والغبن بشعراء المهرجان، اذ يعني ذلك انهم مازالوا في حدود الشعراء السابقين، وانهم توقفوا عندها، ولم يقدموا ما يميزهم رغم المسافات الزمنية التي تفصلهم عن هؤلاء الشعراء، كما ان مثل هذا التصنيف قد اعتمد في ظروف سياسية واجتماعية مختلفة عن الظرف الراهن، ويمكن اعتماده بعد توضيح ما يختلف به عن الظروف الراهنة.

ومع ان الجلسات الشعرية لا تقدم الشعراء حسب المشتركات، الا انها صيغة مستخدمة في التعامل مع شعراء المهرجانات، فقد لجأت بعض المجلات الى تكليف نقاد لدراسة نصوص الاعداد السابقة، وهي كما هو حال نصوص المهرجانات لم تنشر لانها ذات وحدة معينة، وانما هي لشعراء مختلفين ، وقد تكون نصوص هذه المجلات اقرب للوحدة منها الى الاختلاف لانها نصوص لشعراء من جيل معين، ولان النشر في مجلة معينة يمكن ان يضفي عليها مشتركات اخرى.

ان الدراسات النقدية التي قدمها مهرجان المتنبي العاشر لم تكن متشابهة في تعاملها مع القصائد، وكانت مختلفة في الرؤى والمداخل والمناهج ايضا، وليس من الممكن عزل بعضهل عن البعض الاخر وليس من الممكن مطالبة النقاد لان يجمعوا هذه القصائد في سلة واحدة، ولان هذه الدراسات ذات اختلاف في المداخل والمناهج فقد وجدنا ان من المفيد تناول هذه المداخل والمناهج، لانها في كل دراسة تنطلق من البداية لتقودها الى التعميم.

وقد قدم الناقد زهير الجبوري دراسة يتناول فيها الشعراء حسب الجلسات الشعرية، وهي بعنوان (جدل النصوص: قراءة في قصائد مهرجان المتنبي العاشر، ويقول فيها (لعل الاشتغال على موجة شعرية او جيل شعري او ظاهرة معينة يعطي السمات الفنية والمضمونية المفصلة بالشكل الذي تظهر عليه الخطوات المؤسسة والراكزة لها، لكن اذا ما اطلعنا على تجارب متفاوتة ومتداخلة لبعض الشعراء وبمختلف اعمارهم واجيالهم، فان ذلك يكشف عن مدى حساسية التوصيف والتحليل النقدي والامر يتعلق بالتداخل الثقافي بين شاعر واخر مع اختلاف رؤاهم وثقافتهم، ما جعلنا الا نستوقف على هذه المسالة صدور كتاب (قصائد مهرجان المتنبي العاشر) الذي يتناول الفعاليات الشعرية بجلساته الاربعة التي اقيمت في الفترة (25-27) ايلول من العام 2012 دورة الشاعر حميد حسن جعفر، وقد صدر الكتاب عن قسم الاعلام في محافظة واسط بجهود اتحاد ادباء المحافظة، وقد تقدمت تفاصيل الكتاب كلمة السيد صالح مطروح السعيدي رئيس اتحاد واسط (في الفترة تلك) الذي اشار الى ايام  المهرجان بكلمات فيها من الشاعرية الشيء الكثير، فكانت بضعة ايام جميلة اطل بنا على دنيا زاهية، ونطل من خلالها على بستان المتنبي الشاعر العظيم، ليزرع الشعراء نخلة سامقة هنا، ثم اشار السعيدي بكلمته التي حيا بها  كل ادباء العراق الذين حضروا الى واسط بانها ثلاثة ايام عطرن الحياة الواسطية باريج الشعر وعنفوان النقد، وزهو المعرفة، ان المشروع المدون للفعالية وظهور النشاطات داخل اطار التدوين ربما يقدم نفسه للوهلة الاولى بوصفه اشتغالا بيلوغرافيا، غير انه بالاساس يعمل على مفهوم اوسع الا وهو المشروع الخطابي او بالاحرى قراءة المرحلة المؤطرة لهكذا نتاج ثقافي ليس على المستوى الشعري فحسب، انما على المستويات الادبية كافة، مع الاختلاف بين تجربة واخرى، او جيل واخر، او ظاهرة واخرى، كل ذلك يقع تحت معيار فني مهما كانت مستويات البناء وحقيقة التجارب وانتماءاتها، لذا جاء كتاب (قصائد مهرجان المتنبي 2012 ليكشف في طياته عن خارطة الشعر العراقي بكافة المستويات والاداءات والمهارات المطروحة، فثمة شاعر ارتبط اسمه بسبعينات القرن الماضي واخر ثمانيني واخر من يعد العام 2003 وثمة قصيدة عمودية مؤطرة بثنائية الوزن والقافية واخرى  حرة، واخرى نصية، وهذا التنوع بالاسماء ونوعية القصائد، دفع الناقد زهير الجزائري الى تناول القصائد حسب تقديمها في الجلسات الشعرية، وهو الاسلوب نفسه الذي تقدمه قراءات العدد الماضي في بعض المجلات الادبية والثقافية.

القيمة الشعرية

ومن الدراسات التي تناولت بعض المشتركات في قصائد المهرجان دراسة بعنوان (القيمة الثقافية في النص الشعري: قراءة في عدد من نصوص مهرجان المتنبي العاشر) للناقد علي سعدون حيث جاء هذا العنوان ليبعد النصوص الشعرية عن الموضوعات السائدة والمكرر في النقد، وليضعها في عمق المسؤولية تجاه ما يحدث في الواقع السياسي والاجتماعي، مؤكدا على ضرورة تحرر الشعر من التزويق اللفظي، وتشريح النصوص، وتحويل، والخسارة الفادحة التي تتجسد في الهوة الكبيرة بين الظاهرة الشعرية وبين همومنا الاجتماعية والسياسية والثقافية، والتعامل مع الظاهرة الشعرية بوصفها ترفا فكريا وجماليا لا علاقة له بالحياة، وبوصفها انتاجا للهذيان والالغاز والاحاجي، ودعا الناقد علي سعدون الادب بشكل عام، والشعر بشكل خاص لان يتمثلا الحياة الى الدرجة التي تصبح فيها قوة الاستعارة والكناية والتشبيه من تمثيلات الواقع وليست من تمثيلات الخيال والحلم، وان يتجه الادب الى التجديد والتغيير.

والناقد  علي سعدون في هذه الدراسة يعتمد على افكار واشكاليات النقد الثقافي معززا العلاقة بين هذا النقد، وبين ما يحدث في الواقع، داعيا الى ضرورة تشكيل مشهد يضج بالرؤية العميقة، وان يمارس النقد الثقافي على امتداد الواقع الاجتماعي كان باستطاعة الناقد علي سعدون ان يطيل من حجم دراسته، ولكنه لم يزدها رغم الحاجة الماسة الى مثل هذه الدراسات المهمة.

ولم يلجأ الناقد الى الكثير من النصوص الشعرية وكانت قليلة بالمقارنة مع كمية النصوص التي  قدمت في مهرجان المتنبي، كما انه لم يقدم تعريفا دقيقا للقيمة الثقافية ولعملية انتاجها.

ورغم ذلك فان القيمة الثقافية للنصوص الادبية من العناوين التي تتطلب متنا واسعا، من الدراسات والمقالات فالتساؤل عن جدوى ما يكتب وينشر  من شعر يطرح على الشرائح الاجتماعية كافة، وهو اكثر ضرورة في الوسط الثقافي، ويحتاج هذا الوسط لان يقدم العديد من الندوات والحلقات النقاشية عن القيمة الثقافية، ويعزز من ذلك ان الظروف الراهنة مختلفة عن الظروف السابقة، وعن نظرتها تجاه القيمة الثقافية للنصوص، الامر الذي يستدعي  اعطاء هذا الفرق حقه من الدراسة والبحث والاهتمام.

وينجح الدكتور رحيم عبد علي الغرباوي في العثور على محاور مترابطة ضمن دراسته (المتنبي في عيون شعراء مهرجان المتنبي: تلقي الشعراء لنص المتنبي) اذ تناول في هذه الدراسة ما يشترك به الشعراء مع المتنبي من قيم وتوجهات، مبتدئا بالتمهيد، والبحث الاول وعنوانه (المتنبي المغترب) فقد كان المتنبي يعاني الاغتراب، وذلك ما يشترك به الشعراء المعاصرون، فنراهم كما هو حال المتنبي وجوديين في نزعتهم، مغامرين صوت الكمال، ثائرين ضد الواقع  والموت واللازمن وغياب الذات، وفي المبحث الثاني من الدراسة وعنوانه (المتنبي المنبعث) يدرس الدكتور الغرباوي الشاعر المتنبي وهو يصور الانبعاث لحاجة الارض للغيث، وفضلا عن ذلك يظهر المتنبي وهو ينبعث في اشكال متعددة، ويستحدث الماضي الى الانبعاث، كونه ممولة عريقة ولانه من اقطاب الامة في الدلالة عليها، والمعبر عنها قوة وعزيمة وصمداً وبلاغة، وفي هذا المبحث كما هو حال المبعث الاول يقف الباحث والناقد الدكتور الغرباوي عند عدد من الشعراء، موضحا ما يرومون اليه  من مضامين، حيث تتدرج هذه المضامين من الخاص الى العام، ومن الذاتي الى الموضوعي ومعها تتدرج المضامين في سياق يحاول ان يتطرق الى اكبر عدد من الشعراء، واذا كان الاغتراب يمثل نزعة ذاتية، فان الانبعاث يمثل النزوع العربي فالشاعر يصور الانبعاث لحاجة الارض للغيث، ولبحاره لمياه البحر، اما الوطن فهو الاخر ظامئ لمن يدافع عنه، وبما انك قوي القلب، ايها المتنبي، عدت مثلما الرمح يعود بقـــــــــــــامته الشامخة لتصير سورا عصيا على الطامعين لوطن  احفادك، وان عودتك هي العيد والمزار والزوار، فهي العودة الى الذات  ويعــــــــــــني انبعاث الماضي.

المصدر جريدة الزمان - واسط