يحمل مهرجان المتنبي الثاني عشر الذي عقد في محافظة واسط اسم الناقد حاتم الصكر على انه شخصية المهرجان، وان هذا المهرجان يمثل دورة الناقد الدكتور حاتم الصكر الذي عرف مؤلفات نقدية وشعرية عديدة، وعرف بادارته لمجلة الاقلام. وتقديرا لهذا الاختيار، وما عرف به الناقد حاتم الصكر من حب وتقدير لوطنه العراق ولمدينته واسط وادبائها فقد بعث برسالة الى القائمين بالمهرجان وفيما يلي هذه الرسالة، وهي اقرب الى السيرة الذاتية ويقول فيها:

لواسط في القلب موقعٌ  منذ عرفنا الحب وفي العقل منذ عقِلْنا الأدبَ والثقافة.يرد اسمها ذو الرنين السحري مع منْ آوتْ من شهداء الفكر: هنا يرقد سعيد بن جبير الزاهد الذي ناجزَ الحجاجَ طاغيةَ العصر وجزّاره، فأوقفه في جدل عقلي أفضى لقتله ولكنه انتصر عليه؛ فظل قبرُه إشارةً لشهادته وخلودِ اسمه وعمله، بينما تهدم قبر الحجاج بماء دجلة الذي فاض ثائرا ليمحو الطاغيةَ من الذاكرة.وآوت واسطُ ضريح المتنبي أبي الطيب الذي فتك به قاتلٌ لم نعد نعرف عنه شيئا، لكن المتنبي يتجدد عبر وفاء الواسطيين وحب العراقيين، ويكفيه أن الجواهري الكبير  قال فيه:

وأنك تُبعث من جديد                            تُنفّضُ ما تلبد من كرانا

وسيزيدها شرفا واسط هذه التي تتوسط القلب أن أول مصور أعلن اسمه مع تزاويقه وتلويناته هو من مواطنيها : يحيى الواسطي الذي لم يكن رسام توضيح للمكتوب في المقامة بل مولّد معان وخيالات  بصرية تضاف لمتونها فتزيدها جمالا.

تبدأ قصة واسط معي منذ الفتوة.كلما زارنا الجد – وهو آخر فلاحي الأسرة على ضفاف الغراف- تمسكت به ليأخذني للكوت التي تنحدر منها أسرة الوالد الذي شاء أن يهاجر حيث المدينة دون أن تنقطع أسبابه بأسرته. في ريفها استظل الفتى الناحل بكتبه التي ترافقه وتثير مناظرُ الغراف والطبيعةُ خيالَه وحلمَه بالشعر والفن.

وأعود إليها حين بدأتُ حياتي الوظيفيةَ  مدرسا إختار الكوتَ لأعيدَ ارتباطي بحبلي السري . أجيئها غضا فلا تغمض عيناي في الليلة الأولى وأنا أستمع لهدير مياه سدتها وثرثرة الأمواج. واسط تعشقها دجلة فتلتف حولها في احتضان عشقي يجعلها شبه جزيرة. لا ينهك دجلة ما يخرج من إبطها قبل استدارتها عند السدة من أنهر: الغراف والدجيلة بل تتجدد وتقوى وتمضي في رحلتها صوب الجنوب. أمكث فيها أعواما تشهد حراكا ثقافيا وأمسياتٍ نقديةً وأدبيةً وشعرا سيكون أول نتاجي فيه ضمن سرب من(نوارس الموجة الآتية) ديواننا الأول المنشورمع جمع من شعراء الكوت المجددين في النصف الأول من السبعينيات. وإذ أعود للعاصمة تظل العرى وثيقة بواسط . واسط العصية لاجند الحجاج أخضعوها ولا الحصار العاتي مطلع القرن الماضي أطفأ وهج شبابها ولا الطغاة اللاحقون نالوا من جمالها وشممها.حاضنة الشهداء هذه يصح في حبها قول المتنبي لمن عجبتْ من شدة حبه:

تقولينَ: ما في الناس مثلكَ عاشقٌ      جِدي مثلَ منْ أحببتُه تجِدي مثلي.

بهذا الحب سكنت واسط في القلب.

وإذ تكر دورة السنين سأفقد أوسط أولادي بمكيدة حبها .لقد كان مولده في واسط مطلع السبعينيات سببا لدى مجاهدي الظلام وقطاع طرق الحضارة باسم الدين كي يخطفوا شبابه ويغيبوه ذات صباح خريفي من عام 2006 . ولكنني أزداد محبة وانتماء لواسط معتبرا بما قدمته من أمثولة الشهداء الذين خلدتهم بينما محت الطغاة والقتلة من الذاكرة.عقاب مستحق لكارهي الحياة وقاتلي البراءة بمسميات الخرافة والتعصب والضمائر القصيرة كثيابهم وأيديهم المتسممة بالموت والمتعفنة  كلحاهم.

وأحب واسط. وأحسب أنها بما شرفتني به اليوم مسحت دمعا غار في أعين الأسرة والأصدقاء وأعادت لي دية ولدي الذي افتقدته باسمها الملائكي. واسط المحبة والنهر والشجر والفن والأدب.

كم هي رائعة ورحيمة يد التكريم هذه التي اسبغت علي ما لاأحلم به.فاسمحوا لي أن اشكر  تلك اليد من منتبذي ومهجري البعيد وأشكر شرفاء هذا الوطن الصابر الواقف بجماله رغم ألمه  كاللبوة الجريحة في الفن الرافديني : تخترق السهام جسدها لكنها تصرخ وتمد جسدها لتحيا وتزداد جمالا. تماما كأبي الطيب الذي يقول:

رماني الدهر بالأرزاء حتى                  فؤادي في غشاء من نبال

فصرت إذا أصابتني سهام                  تكسرت النصال على النصال

من براءة ولدي المختطف متهما بحب الكوت ، ومن سيل دجلة مستديرا يحتضن الكوت ، ويعود منطلقا بفتوة تبعثها من العدم أرضُ واسط: واسط القصب والزرع والماء والمحبة. حاضنة الشهداء والشعراء والعشاق.منهم جميعا أستعير العرفان والاعتزاز  لأقول:.شكرا لإخوتي  وأصدقائي وزملائي في اتحاد ادباء واسط  واللجنة التحضيرية للمهرجان والإدارات المسؤولة في واسط محافظا ومحافظة وبيتا ثقافيا لجميل تذكرهم ووصل ما انقطع بالهجرة التي أقصتنا مكرهين .

شكرا من القلب لإخوتي وأصدقائي وزملائي في اتحاد الأدباء والكتاب في المركز العام ببغداد. وشكرا لوزارة الثقافة والاعلاميين، ومن  أسهم من زملائي الباحثين والنقاد  والشعراء في هذا الملتقى الإبداعي الحي والفاعل.شكرا للعراقيين أهلي وإخوتي الذين أستنجد لبيان حبهم بأبي الطيب مرة أخرى:

أحن إلى أهلي وأهوى لقاءَهم             وأين من المشتاق عنقاءُ مُغرِبِ

لأن رياح الحياة ويومياتها وتصاريفها لم

تنجد سفنَ شوقي تلك؛   فأعاقت حضوري

وناب عني حبي وامتناني.

لكم الشكر جميعا.. والامنيات بمهرجان تحف فعالياتِه الموفقيةُ والنجاح.

سلام عليكم من القلب ومحبة.

حاتم الصكر

ناشفل- تنسي

الركابي فنان

في مهرجان المتنبي

الفنان عبد الصاحب الركابي شقيق الروائي الكبير عبد الخالق الركابي، واذا كان الركابي الثاني فنانا في كتابة الرواية فأن عبد الصاحب الركابي فنان مضاعف في العمر والتقنيات، وهو من اكثر الفنانين ارتباطا بمدينته وخصائصها، يحشد طاقاته لاي مناسبة تقيمها ، ويحضر في كل لقاء تشهده واسط بين المثقفين، سواء من خارج ام داخل المحافظة وهو اضافة الى ذلك مجدد في اساليبه وتقنياته، ولا يكرر اية تقنيات، تكاد كل لوحة من اعماله مستقلة عن الاخرى.

شرقيات صاحب الركابي

تزامنا مع مهرجان المتنبي اقام الفنان التشكيلي عبد الصاحب الركابي معرضه التشكيلي الرابع عشر الذي ضم (30) لوحة موزعة بين الرسم بالزيت والالوان المائية وهذا المعرض جمع ثلاثة محاور بين الرسم الحديث (الرمزية) الاسلوب الرمزي المعروف للركابي الى جانب لوحات صغيرة الحجم واقعية المدلول تعكس الحياة الاجتماعية في محافظة واسط ولاسيما تجسد مواطن الذكريات الطفولية وبساتين وازقة (بدرة) مسقط رأس الفنان. اضافة الى مجموعة من (الاسكيجات) المتقنة الجاهزة للتنفيذ على قماش اللوحات، وهدف المصغرات اضافة الى ذكريات الطفولة والشباب هي مشروع قابل للتنفيذ مستقبلا ومن ثم اقامة معرض في مدينة (بدرة) تخليدا للمدينة الخالدة التي كانت معروفة ايام طوفان نبي الله (نوح) عليه السلام..