شمران الياسري ذكرى رحيل.. وبهجة استمرار

Wasit News17 أغسطس 2011آخر تحديث :
Wasit News

الكاتب إحسان شمران الياسري ………………………….. تمر في مثل هذا اليوم الذكرى الثلاثين لرحيل الكاتب والروائي والصحفي (شمران الياسري) رحمه الله تعالى.. ففي مثل هذا اليوم، من عام 1981 ترجّل (أبوكَاطع) عن صهوة جواده، ونزع بيديه كل ممكنات استمرار الحياة، ووقف بعيداً عن مسرح مصرعه الأليم يتفرج على الدنيا وأهلها، ضاحكا مليء روحه من خديعتنا الكبرى في الاستمرار بالحياة، إذ كانت حياة فارغة إلا من معاني العبودية وممارسات القمع والتكميم.
ومهما كانت صورة اللحظات الأخيرة لهذا العراقي الذي ظلت روحه فوق أكواخ العراق وبساتينه وخيام بَدْوِه و (شراويل) مقاتليه على الجبال القصية، فأننا ما زلنا أمام عدة أسئلة عن تلك الميتة التي أفزعت نظام الحكم، فراح يبحث عن قصاصات الورق التي بحوزتنا، وعن بقايا الصحف اللبنانية التي نشرت نبأ فجيعتنا به..
فهل مات شمران الياسري ولم يُقتل، أم قُتل فـ(مات)، أم قتلوه فأظهروه ميتاَ.. كلها عناوين جانبية لأهم الإنباء، واقدرها في تثبيت الساعة الزمنية عند تلك اللحظات. فأبو كَاطع تعرّض لحادث سيارة بين مدينتين في أوربا، وتظهر في سياق الحدث المأساوي إشارات إلى إن الحادث اغتيال وليس قضاءً وقدراً، فيما تُبدي أنباء أخرى فرضية القضاء والقدر.
وخسارتنا الكبرى ليست فيما اذا كان صدام قد تبعه الى آخر الدنيا وقتله، فهذه احدى توابع القصة، اما اصل القصة، فهو الكم الكبير من الاعمال التي أجّلها الراحل الى يوم آخر وسنة اخرى، ثم توالت الآجال واحد تلو الآخر دون ان يتمكن المُبدع المفقود من اكمال مشاريعه.. تلك الخسارة الكبرى.. والخسارة الاكبر ان جيلاُ من الشباب لم يعد يكترث بتأريخه وبموروثه، وبمبدعيه.. وان شمران الياسري غادر الحياة عندما اصبحنا بمسيس الحاجة لجهوده وجهود مبدعين اخرين.
لقد كتب ابو كَاطع اهم مدونة ثقافية عن تاريخ العرق وريفه، وشعبه على ضوء الفانوس، وهو يتابع الابطال، الاحياء منهم والراحلين.. يُحرّكهم ويُعدّل مواقعهم وادوارهم في روايته لكي لا تكون لهم تأثيرات سلبية على مسارها (نحتفظ اليوم بأكثر من مسودة لرواياته).
ونحن لا نفعل ما بوسعنا، فقط لتصوير النزوح الجماعي لاستذكار الراحل في يوم او اصبوحة، ولا في محاولة (حشر) الذائقة العراقية لاستطراء مُنجزٍ فني في ذكرى كاتبه.. بل نسعى لتشكيل قاطرة مُحتَدِمة الحراك نحو الابهاج المستديم بما قدم منتجون كبار من وزن الراحل.. فقصة اللغة والموروث، ونضال الفرد والامة نحو الامساك بالضرورات، قضية ليس لها ارتباط بالمراحل والذوق وبالعادات، بل انها لوح كبير ومسمار مهم جدا في هيكل السفينة التي تحمل حياتنا.. فبدون اللغة، وادوات التخاطب، والحب، وأغاني (الرعيان) وضجيج اجراس (غنم الشيوخ) ولهيب الصيف اللاهث، ما كانت لتكون حياتنا، ولا استطعنا ان نتحدى ملايين اللحظات العصيبة التي تواجهنا في مسيرة حياتنا..
ان كتابات شمران الياسري، واشعار الجواهري والبياتي، واغنيات القبنجي ويوسف عمر، و(مجرشة) عبود الكرخي ومن كان قبلهم وبعدهم، وفناجين القهوة التي ظلت تدور على ضيوف دواويننا، والنواعير التي اغترفت ماء دجلة والفرات، واطلقت نبع الحياة لبساتيننا، كلها رَتَقتْ قوانين حياتنا وفصولها، وابقتنا احياء إذ كان مُقدراً لامتنا ان تفنى..
وما القباب الصفراء والخضراء للاضرحة والمساجد والكنائس إلا عناوين لجدوى ايماننا وافتتاننا بالزمان الذي نمضيه نذكر الله ومجد اليقين الذي يبعثُ في تجليات الحاضر نعمة التوطن في المعقول، ويُعطي لـ(خميرة) الايمان قدرتها على الاستمرار.
وظلَّ شمران الياسري، الذي كتب النقد اللاذع في اوج قوة السلطة، ورفضها للصوت الآخر، الرمز الذي كان الناس يرنون الى صباحات اعمدته المهيبة، وهي صوتهم المخنوق..
ولم يسع السلطة ان تحتمل هذا الموطن (المُر) لآمال الناس، فنفته، ثم (رغبت) ان يموت هناك، فكان لها، امراً، او صدفة.
واذا كان لشمران من تاريخ نختار له موعدا لاستذكاره، فأنه يؤرخ لـ (مُهجة) رجل كان صحفيا واديباً وروائياً واذاعياً لملم كل هذا المنجز في شخصٍ لم يكن سياسيا بل كان فلاحاً من طراز فريد.
لتحيا ذكرى (شمران الياسري)، صاحب خلف الدواح، ورائد الصراحة.. وحامل (الزناد) من فصل لفصل من أجزاء روايته.. والزاهد في الدنيا.. وصاحب النبوءة المبكرة بـ(عرس الواوية) الذي تعيشه دولتنا غداة سقوط النظام الذي حاربه ابوكاطع..
وعهدا بأن نحمل تجربته وقواميسه ومشاريعه الى الناس الذين أحبوه وأحبوا كفاحه من أجلهم.