التوافق بين الضمير واللسان

Wasit News6 أبريل 2011آخر تحديث :
Wasit News

ليتنا نكون ممن يتوافق ضميرهم مع لسانهم، فلا ننطق إلا بما ينطوي عليه ضميرنا، ولا نُعلن إلا الذي نُسر، ولا نريهم (حنطة) ثم نُعبيء لهم الشعير. ولأني لست في موقع النصح لأمة لم تنتصح لإمام الهداية الأعظم، ولصحابته الإجلاء، فسوف أضع ما يمكنني من الأسطر، وأحسب أني المُطالب الأول بترتيب ذلك على نفسي (التائهة) بين التجريب وبين التوّثق..
إن الناس ينظرون لبعضهم والى آباءهم وقادتهم الفكريين والروحيين والسياسيين، فتنطبع في أذهانهم صورة من ينظرون إليه، وتتأثر بعد ذلك سلوكياتهم وتصرفاتهم طبقا للغرس الذي انبتهُ صاحب الانطباع ورائده.
وليس في هذا تنظير، بل إننا نسمع من البعض كلاًماً للعامة، ثم عندما نختلي معه، نسمع منه كلاماً بالمقلوب.. وإذ نحن نراه أسوة أو قائداً أو معلماً أو زعيماً روحياً، فسوف يتأثر سلوكنا وتلتبس موازيننا الفكرية والأخلاقية، بل نفقد أخلاقيتنا بالمرة، خصوصاً إذا كنا مُتأسّين به حد العمى..
فأنت تسمع مسؤول في مؤسسة تربوية يُشيد بدور المعلم وبأهمية وخطورة وظيفته في المجتمع وفي مستقبل الأجيال، وإنه ثروة وطنية لا غنى عنها، وإن الاستثمار فيها أحد أهم أركان الاستثمار الوطني في بناء الدولة.. وإن المعلم هو القائد الفعلي والروحي لقاطرة الحياة في كل أمة.. وإن الأمة العراقية هي التي اخترعت الحرف الأول الذي ابتكرنا بعده الدرس الأول في القراءة (دار، دور، نار، نور..) .. ثم في الكواليس، ويا للخزي، يصف هذا المسؤول المعلمين بأنهم صنف من مخلوقات الله (التي هي بالاحرى من نِعَم الله لو يعلم هذا المسؤول)..
وهذا نموذج لعدم التوافق بين الضمير واللسان.. والأمثلة لا حصر لها، وقد أمارسها أنا وأنت وقادتنا، ولكن بعضنا يمارسها بحسن نيه أو بدافع التسلية، ولكن أنا وأنت ليس لنا تأثير خطير كما لآخرين في الحياة، فالذين يمارسون هذهِ التناقضات ربما يؤثرون في محيط واسع، ويسمّمون مناخاً عريضاً يعيش في مداه أناس بسطاء لا يعلمون من الأمور إلا ظواهرها.
إن السياسي الذي يخطب في الجماهير بحماس ويندد بالمظاهر السلبية التي تخدش الوحدة الوطنية والسلام الأهلي، ثم يسكت، حتى لو كان في سريرته ألف متناقض، أفضل من ذلك الذي يتحدث إلى حاشيته وحزبه وفرقته اشياءاً مغايرة لما قاله على المنبر.. لأن الدرس الأكبر هو في إلتباس الأمر على هؤلاء الحاشية والحزب والفرقة الذين يسمعون من قائدهم كلاماً على المنبر، ثم يتلقون منه فكراً مغايراً.. وهذا الفكر (المغاير) هو الذي يمثل التوجيهات الفعلية إليهم.. وقد يتصرفون بها دون وعي وسياسة، فيما هو سياسي ماكر، يستطيع تغليف السّم بالعسل، فيما هم يستخدمون الخناجر المسمومة دون أغلفة..
وكذا الحال في الأب الذي يتحدث مع الأهل والأصدقاء بلغة، ثم عندما يختلي بأولاده، يُحدثهم بلغة أخرى، وبأخلاقية مغايره.. إنه يدمّر أولاده، ويدفعهم للمجتمع وحوشاً لا ترحم.
إن النُصح الاهم لمن يؤثرون في المجتمع هو ذلك الذي يدعوهم للإلتزام بالتوافق بين الضمير واللسان، مهما كانت مواقع اذهانهم.. بمعنى ان يُبقون التماثل بين ظواهرهم وبواطنهم، لنا ولخاصتهم.. وما سكوتهم إلا رحمة بنا وبالمستقبل.