بيننا وبين الحسينِ مسافاتٍ .. وإن قَرُبتْ

Wasit News1 سبتمبر 2019آخر تحديث :
Wasit News

بقلم الدكتورة حلا الكناني ..
“تعلمتُ من الحسين أن أكون مظلوماً فأنتصر”، عبارةً قالها ذات يوم الزعيم غاندي، حين أدرك أن للمظلوم طاقة روحية يمكنها أن تزيل جبال الظلم عن أماكنها ، وحين أيقن أن ثورة الحسين عليه السلام لم تُقتل بمقتله ، ولم تُسلب إرادتها ، وأنها ليست بلحظية ، بل سرمدية لا تنتهي إلا بانتهاء سلطان الظلم الذي اُبتليت به الارض، فهل قرأنا الحسين عليه السلام نحن خير قراءة ؟ أم اكتفينا به مظلوماً نندبه ليلاً،ونهاراً علّنا نجسّد عظم المصيبة ، و نُطفي جمر لهيبنا ؟ أرانا أخطأنا في فهم الحسين ، ونأينا بأنفسنا عن مساره ، وعن الهدى الذي كان عليه ، وخلّدناه في قلوبنا ، وغيّبناه عن ضمائرنا التي لا يوجد لدى بعضنا فيها أثراً لحسين، وصرنا كعبّاد رمضان ، يصومون في رمضان عن ملّذاتهم ، ويعاودونها بعد انقضاءه ، وكالذين يؤمنون ببعض الكتاب ، ويكفرون ببعض . آمنّا بمظلومية أبي عبد الله الحسين عليه وآله افضل الصلاة وأتّم التسليم ، وظلمنا أنفسنا والآخرين باتخاذنا كل حقبة وأخرى آلهاً كالنمرود ، أضلّنا على علم ٍ، حتى خلنا أنه قادراً على أن يُحيي ويميت ، فصرنا مسلوبي الإرادة ، ورضينا أن نكون من القواعد ، وأن لا ندافع عن حقوقنا ، وبايعنا الظالمين ، ونصبّناهم في مناصب لم يُرد الله لهم ان يكونوا فيها ، فأين نحن من حسين ! خُلق الإنسان حراً لا ليستعبده احد ، وجُعل خليفةً في الارض ليحكم فيها بسلطان العدل ، هذا هو جوهر الثورة الحسينية ، التي لم تُرد لسلطان الظلم والطغيان أن يستشري في جسد الأمة ، لكنه وصل الى العظم منها ، وبدأ ينخره ، ويشلّ حركته ، لأننا وببساطة أمة ليست حسينية الجوهر ، بل حسينية المظهر ، وشتّان ما بين الأثنين . ما أشبهنا اليوم بمن بايع الأمام الحسين ،وغدر به في أرض الكوفة ، ومن تناسى انه جلّ وعلا لا ينظر الى الأجساد ، بل ينظر الى القلوب وما تحمل من نوايا وما تزداد . لسنا كأصحابه السبعين الذين بذلوا مهجهم دونه ، لكننا في كلّ قراءة لزيارة عاشوراء نرددُ “يا ليتنا كنّا معكم سادتي ، فنفوز فوزاً عظيماً” ، فأيّ امنية تلك التي لم ولن نحققها ؟ أوَليسَ كلما تمنينا ألقى الشيطان في أمنياتنا وقاسمنا إيّاها ! لا نبحث عن الخلود ، بل نسعى وراء الخنوع والخضوع، والتطبيل لكل ظالم ، ولو استعرضنا تأريخنا لوجدنا كل ذلك حاضراً فيه، ننعقُ مع كل ناعق ٍ، ونميل حيث تميل الريح بنا ، فلم نستطع ان نغيّر الظلم بأيدينا، ولا بألسنتنا، بل آثرنا كل ذلك في قلوبنا ، وإنّه لأضعف الإيمان ، والأسوء بيننا من كان كابن طوعة الذي وشى بمسلم بن عقيل ، وأورده القتل ، وباعَ نفسه بثمنٍ بخس ٍ، ودراهمَ معدوداتٍ . قفْ وتأمل نفسك يا من تدعّي صلتك بالحسين ، فإذا كانت طاهرةً صابرةً على الأذى في جنب ربها ، محتسبة راضية بقضائه، موالية لأوليائه ، معادية لأعدائه ، متأهبة لبلائه ، فابشر فإنك حسيني الهوى ، وإن لم تكن كذلك ، فابتعدْ بعيداً عن الركب الحسيني ، فليست أموالك ولا أولادك ولا ريائك بالذي يُقربّك من الحسين زلفى ، وإنّ بينك وبينه مسافات لن تبلغها إلا بشقّ الأنفس ، وان ابتانت للبعض انها قريبة.