النهوة العشائرية تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد إجراءات قضائية حازمة

Wasit News16 يوليو 2019آخر تحديث :

السلطة القضائية .. فتح القضاء باب النهاية لإحدى العادات القبلية التي شكلت تهديداً لأمن المجتمع بعد أن ‏وجه ‏كافة المحاكم بتشديد الأحكام عن جريمة “النهوة العشائرية ” واعتبر التهديد فيها فعلا ‏إرهابيا ‏يحاسب بموجب قانون مكافحة الإرهاب.‏

و”النهوة” كما عرفها قضاة متخصصون عرفا عشائريا قديما يكره بموجبه الذكر او ‏الانثى من ‏الاقارب على الزواج او يمنعه منه، مستندا الى رابطة القرابة والانتماء العشائري ‏بداعي عدم ‏زواج الإناث الا من أقاربهن وقد يقترن ذلك بالتهديد أحيانا.‏

وأخذت “النهوة” منحىً خطيراً في الآونة الأخيرة إذ أكد قضاة ان عددا من القضايا لم تقتصر ‏على التهديد والوعيد بل وصلت الى استخدام الأسلحة ‏من اجل منع زواج امرأة من رجل ليس ‏من القبيلة نفسها، ولم يعد هذا العمل مقتصرا على المناطق ‏الريفية والبدوية بل انتشر في ‏الكثير من محافظات العراق لاسيما الوسط والجنوب منه.‏

تفاعل قضائي

وتفاعلا مع هذه العادات الدخيلة التي أضحت تنمو وتهدد المجتمع، اصدر مجلس القضاء ‏الأعلى قراره الفصل بتشديد عقوبة “النهوة ‏العشائرية” واعتبر الـ”النهوة” المقترنة بالتهديد ‏إرهاباَ، وفق المادة الثانية من قانون مكافحة ‏الإرهاب رقم (13) لسنة 2005، التي تنص على ‏أن “التهديد الذي يهدف إلى القاء الرعب بين ‏الناس أياً كانت بواعثه يعد من الأفعال الإرهابية، ‏وان تشديد العقوبة على مرتكبي هذه ‏الجريمة هو أمر واقع تقتضيه الظروف الحالية بغية ‏القضاء على هذه الظاهرة المتأصلة ‏جذورها في المجتمع دون سند اخلاقي او اجتماعي او ديني ‏او قانوني” بحسب قرار القضاء.‏

وفي ميسان أحد معاقل رواج هذه العادة الدخيلة، بينت محكمة الاستئناف انحسار هذه الأعمال ‏بصورة كبيرة وصلت إلى نسبة ‏الـ90% بحسب القاضي سعد سبهان وهو قاضي اول محكمة ‏تحقيق العمارة والذي بين إن “أعمال الدكة العشائرية انخفضت بنسبة ‏‏90% في مناطق من ‏المحافظة وانقضت نهائيا في أخرى”، فيما نوه سبهان إلى أن “محافظة ‏ميسان شهدت مثل هكذا ‏أعمال بكثرة كونها أكثر محافظات العراق التي تصطبغ بالطابع ‏العشائري”.‏

واشاد سبهان بقرار مجلس القضاء الأعلى مؤكدا أن “التكييف الجديد الذي أصدره ‏المجلس ‏حقق نتائج مرضية على ارض الواقع حيث صدرت توجيهات مؤخرا من قبل رئاسة ‏مجلس ‏القضاء الاعلى الموقر والتي تضمنت توجيه كافة المحاكم في عموم البلاد بتشديد ‏العقوبات ‏المفروضة على مرتكبي جريمة الـنهوة العشائرية بغية الحد من انتشارها والقضاء ‏عليها ‏وقد كان لهذه التوجيهات الاثر الواضح في انحسار ارتكاب هذه الجريمة بنسب ‏كبيرة، ‏ومعاملتها معاملة التشديد الحاصل في جريمة الدكة العشائرية”.‏

آلية العمل

وعن آلية التحقيق والطرق المتبعة من قبل المحكمة في حال وجود جريمة النهوة ‏الاعتيادية ‏ذكر القاضي سبهان أن “المحكمة تجري التحقيق بخصوص جريمة الـنهوة ‏العشائرية وفق المادة ‏التاسعة من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 التي نصت ‏الفقرة الاولى منها ‏على أن (لا يحق لأي من الاقارب او الاغيار إكراه أي شخص ذكرا كان ام ‏انثى على الزواج ‏دون رضاه ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلا اذا لم يتم الدخول كما لا يحق ‏لاي من الاقارب ‏او الاغيار منع من كان أهلا للزواج بموجب أحكام هذا القانون من الزواج) ‏وان (يعاقب من ‏خالف احكام الفقرة الاولى اعلاه بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات ‏وبالغرامة او باحدى ‏هاتين العقوبتين اذا كان قريبا من الدرجة الأولى اما اذا كان المخالف من ‏غير هؤلاء فتكون ‏العقوبة مدة لا تزيد على عشر سنوات او الحبس مدة لا تقل عن ثلاث ‏سنوات) وهذه المادة هي ‏الوحيدة التي شرعت لمعاقبة مرتكبي جريمة النهوة العشائرية ‏وتتضمن شقين الأول يتعلق ‏بالأقارب من الدرجة الأولى والشق الثاني يتعلق بالأغيار”.‏

أما عن طرق تحريك الشكوى ومن له الحق في تحريكها إذا كانت المنهي عليها لم تبلغ ‏السن ‏القانونية أكد سبهان أن “تحريك الشكوى يكون من قبل المتضرر من هذه الجريمة او من ‏يقوم ‏مقامه قانونا او اي شخص علم بوقوعها او بإخبار يقدم من الادعاء العام هذا في جرائم ‏الحق ‏العام، اما جرائم الحق الشخصي والمنصوص عليها في المادة ثالثا الاصولية فلا ‏تحرك ‏الشكوى فيها لا بناء على شكوى من المجني عليه او من يقوم مقامه قانونا”، مؤكدا أن ‏‏”جريمة النهوة ‏العشائرية ليست من دعاوى الحق الشخصي وبالتالي لا يتوقف تحريكها على ‏شكوى من ‏المجني عليه فيمكن تحريكها من قبل الاشخاص الذين ورد ذكرهم في المادة الاولى ‏الاصولية ‏والمشار اليهم اعلاه”.‏

دور للادعاء العام

وعن بعض الحالات التي تكون فيها المنهي عليها في وضع لا يمكنها من تحريك شكوى ‏خوفا من ذويها او ‏قبيلتها أو إنها لم تبلغ السن القانونية وتم النهي عليها وذويها مؤيدين لهذه ‏الظاهرة ولم يقوموا ‏بتحريك شكوى، اشار سبهان إلى ان “هذه الحالة تعالج فبعد تأكد المحكمة ‏من الزام البنت من قبل ‏ذويها وعدم استطاعتها تحريك شكوى، هنا يأتي دور القضاء ومحكمة ‏الموضوع لإشعار ‏الادعاء العام لغرض تحريك الشكوى واتخاذ الإجراءات القانونية بحق ‏مرتكبي تلك الجريمة ‏وفق القانون”.‏

واعتبر سبهان احد اهم الحلول للتصدي لهذه الظاهرة هو “إصدار قانون يعالجها من ‏جميع ‏الجوانب الاجتماعية والثقافية ويضع الحلول الموضوعية التي تساهم في الحد من هذه ‏الجريمة ‏والقضاء عليها وتخليص المجتمع العراقي منها سواء بتشديد العقوبات البدنية او ‏المالية بما ‏يتلاءم وواقع المجتمع العراقي وظروفه”، لافتا الى “نشر الوعي الثقافي والاخلاقي ‏والديني بين ‏طبقات المجتمع المختلفة وتوضيح الآثار السلبية الاجتماعية والنفسية لهذه ‏الجريمة على ‏المجتمع بصفة عامة والأفراد بصفة خاصة اضافة الى تشديد العقوبة على ‏مرتكبي هذه ‏الجريمة هو امر واقع تقتضيه الظروف الحالية التي يمر بها البلد بغية القضاء ‏على هذه ‏الظاهرة المتأصلة جذورها في المجتمع دون سند أخلاقي او اجتماعي او ديني او ‏قانوني”.‏

من جانبه بين القاضي احمد جاسب الساعدي قاضي اول محكمة الاحوال الشخصية في ‏الكرادة ان “القوانين النافذة كافية لمعالجة الظاهرة ولتحقيق الردع في المجتمع”، ‏مشيرا إلى ان “العمل ‏على نشر الوعي الاجتماعي والثقافي وكشف مقدار سلبية هذه الظاهرة ‏من خلال الاعلام ‏ومنظمات المجتمع المدني فضلا عن الجهات الاجتماعية والعشائر ‏والمؤسسة الدينية أفضل ‏الحلول في هذه الفترة”، فيما اعتبر ان “المستوى الثقافي والبيئة ‏الصالحة المتعلمة لها تأثير فاعل ‏في انحسار وانتشار هذه الظاهرة”.‏

وأكد الساعدي “في حال رفض المنهي عليها الزواج فلها او لوالدها او والدتها او احد أقاربها ‏تقديم ‏الشكوى ويمكن لمن منع من زواج البنت تحريك الشكوى ‏‎وأيضا يجوز للادعاء العام ‏تحريك ‏الشكوى بهذا الشأن بعد تأكد المحكمة من الزام البنت بالزواج بل يجوز لاي موظف ‏حكومي ‏تناهى بعمله حصول هذه الجريمة اشعار قاضي التحقيق بالواقعة لاتخاذ ‏الاجراءات ‏القانونية بحق المتهم”.‏

واختتم الساعدي حديثه حول نتائج توجيهات مجلس القضاء الاعلى القاضية بتشديد ‏عقوبات ‏هذه الجرائم بان “توجيهات المجلس الموقر بهذا الخصوص ادت نتائجها بشكل سريع ‏وافضت ‏الى حسر هذه الظاهرة والحد منها بشكل ملحوظ”.‏