الموازنة الاتحادية وتكلفة منظومة الفساد الخفية

Wasit News30 يناير 2019آخر تحديث :
د. علي كريم العمار

د. علي كريم العمار // تزامنا مع إعلان المصادقة على الموازنة الاتحادية للعراق أثرنا ان نتناول جزئية قد تكون خافية على متخذ القرار تتعلق بأهمية احتساب تكلفة إضافية لمتطلبات التنمية المفقودة في البلاد ترتبط بمفهوم تكلفة الفساد ومكافحته الذي أضحى مسألة جدية تنتشر كالنار في الهشيم .
ان أهمية فهم الكيفية التي تسير فيها منظومة الاقتصاد في العديد من دول العالم تتعلق بصعوبة التكهن بموضوع احتساب تكلفة الفساد المرتبطة بمنظومة سياسية حامية لها أكثر من وضع استراتيجيات فعالة للمعالجة.
ان الفساد أصبح منظومة مركبة تسؤء أكثر واكثر الأمر الذي أدى ويؤدي إلى تزايد في الغضب الشعبي المتزايد ازائها .
وفق ذلك التحدي الحقيقي الذي لا يقل عن أشكال أخرى من الأزمات والمشكلات المزمنة ..تظهر التساؤلات عن ماهي الأسباب الكامنة وراء زيادة حدة الفساد في العراق؟
يعزوا الكثيرين إلى الزيادة المتصاعدة في حركة التجارة والاتصالات الدولية والتي جعلت من الناس عرضة وبشكل غير مسبوق للاغراءات الاقتصادية وخصوصا مع تزايد أساليب الدعاية والإعلان والتي خلقت طلبا جديدا …
كما أن الحرية السياسية قد أفرزت معها جيل جديد من السياسيين المغمورين الساعين إلى تحقيق أقصى وأسرع للمداخيل الشخصية في هيكل الرواتب غير المنصف والتي أصابها التضخم والتي خلقت بنفس الوقت شعورا متناميا للسلوك الشعبي المناهض والمناقض لهذه السياسات والإجراءات للسلوك الفاسد.
وجهات نظر أخرى تشير إلى أن المنافسة السياسية وجملة الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية التي انتشرت حول العالم جعلت من الفساد يعيش ربيعا مستداما.
فعلى المدى الطويل يتوقع الناس ان المنافسة السياسية وسياسات الانفتاح الإقتصادي ستقلل من منظومة الفساد منطلقين من حتمية البقاء الأصلح وان كليهما اقصد هنا المنظومة السياسية والمنظومة الاقتصادية سيعملون على تقليل او الحد من الممارسة الاعتباطية لاحتكار السلطة.
ولكن الذي يحدث حاليا وعلى المدى القصير والمنظور وخلال عمر الدورات الانتخابية لاربع سنوات ان قواعد اللعبة تكون حامية الوطيس بين كل من مؤيدي المنافسة الاقتصادية الجديدة و مؤيدي المنافسة الديمقراطية والتي خلقت فرصة سانحة وبشكل سريع لحدوث الفساد والاستفادة قدر الإمكان من انتهاز الفرصة والسلطة…..
ان هذه الفرصة الفاسدة أدت وتؤدي وتستمر إلى حدوث تغيير سريع في المناخ الاقتصادي غير المنضبط وخصوصا عندما يتعلق الأمر بوجود إجراءات صحيحة نظريا ومؤسسات وأنظمة حكومية متنوعة ومتنازع بينها السلطة المضطربة. عمليا…تجعل من آفة الفساد تعيش في جو مثالي لها.
الأمر الذي لا يؤدي إلى المنافسة العادلة بل إلى صفقات داخلية وخارجية مشبوهة.
ان من الممكن أن نقيس التغير ليس بحجم الفساد بل المدى الذي وصل إليه وان الاهم من كليهما تمكننا أكثر وبدقة من إدراك تكاليف الفساد وخصوصا مع السياسات الاقتصادية الانفتاحية وسياسات الأحزاب المتعددة وما جلبته من حريات جديدة تساعد على التباري فيما بينها على توثيق وكشف الفساد المستشري فيما بينها.
ان الكثير من الدول ومنها العراق أصبحت تتمتع أكثر من ذي قبل بوسائل اعلام متزايدة من صحف وإعلام حر وتناقل سريع للمعلومة …هذان الامران سيجعلان من ممارسات الفساد والتشهير عنه أكثر.
ان اللامركزية الإدارية والديمقراطية نمطين قويين من عمل السلطات المحلية في المحافظات وتحديدا بعد عام ٢٠٠٣ حيث ازدادت مهام الحكومات المحلية ومسؤولياتها وفي الوقت ذاته عانى الكثير من تدهور نسب المساهمة المحلية بالناتج الوطني جراء الترهل والتوسع في خلق المؤسسات والتوظيف غير المبني على الحاجة الفعلية وانما على ضوء الانتماء الحزبي المقيت .
كما أن الكثير من المتغيرات التي جرت على هياكل الحكومات المحلية قد نمت بعيدا عن سياسات ورقابة الأنظمة المالية المقيدة مما جعلها تزداد فيها فرص الاحتيال والفساد على حساب الموازنات الحقيقية.
على وفق ما تقدم فإن ما تقوم به العديد من الدول بإعداد وتصميم خطة محكمة لاستراتيجية تنموية واعدة وبموازنة مالية ولمختلف القطاعات الاقتصادية…لابد لها أن تفكر في ذات الوقت على إعداد استراتيجيات متداخلة لمعرفة وتبيان الكلف الحقيقية للفساد ومكافحته وخصوصا عندما يكون الأمر متعلقا بعمليات فساد مرتبطة بالمكاسب المتوقعة جراء وضع الموازنات المالية غير المتوازنة والمرتبطة بحجم وهيكل الاقتصاد..
وهنأ تظهر وتتضاعف مكاسب الفساد المرتبطة مع ازدياد سلطة الاحتكار ولكنها تتضاعف أيضا عندما تظهر فكرة الحوافز الهامشية في مسألة الرواتب في حسابات المسؤولين عن معالجته إلى جيوبهم دون ذلك …