واسط تشكو إهمال ألف موقع أثري فيها وإدارتها تعد بمشروع سياحي يكلف 800 مليار دينار

Hamza M. Al-Hachami24 أكتوبر 2014آخر تحديث :
Hamza M. Al-Hachami

واسط تشكو إهمال ألف موقع أثري فيها وإدارتها تعد بمشروع سياحي يكلف 800 مليار دينار

تلول متناثرة وجدران آيلة للسقوط وثمة أطلال لمدينة كانت قبل قرون عديدة حافلة بالعمران والحياة، إنها مدينة واسط الأثرية،(55 كم جنوب الكوت)، التي وصفها الرحالة الشهير ابن بطوطة، عندما شاهدها في القرن الثامن الميلادي، بقوله “مدينة حسنة الأقطار، كثيرة البساتين والأشجار، فيها أعلام يهدي إلى الخير شاهدُهم، وأهلها من خيارى أهل العراق”، لكن تقادم الزمن عليها وإهمال المعنيين جعلها نسياً منسياً.

ليست مدينة واسط الأثرية وحدها من يعاني الإهمال في محافظة واسط، بل هناك عشرات المواقع الاثارية والسياحية المهملة، الأمر الذي جعل المحافظة تفقد مورداً اقتصادياً مهماً.

وفي حين تنأى وزارة السياحة والآثار بنفسها عن تطوير تلك المواقع “بسبب نقص المال”، وتعد بكونها تعطي الدراسات وتشرف على المشاريع التي تنفذها الحكومات المحلية خاصة ضمن قطاع السياحة، وتعطي اهتماماً قليلاً للتنقيب عن الآثار، تقول حكومة واسط المحلية إنها “بدأت بالمراحل الأولى لأضخم مشروع سياحي سينفذ على نهر دجلة، ليكون الأول من نوعه في البلاد”، متوقعة أن “تصل تكاليف تنفيذه لأكثر من 800 مليار دينار”.

أسباب إهمال السياحة والآثار

ويقول مدير دائرة السياحة في واسط، إياد عباس كاظم، في حديث إلى (المدى برس)، إن “السياحة في المحافظة تنقسم إلى عدة اتجاهات، منها الدينية والاثارية والترفيهية المتمثلة بالمطاعم ومدن الالعاب والمتنزهات العامة والحدائق الفارهة وغيرها”، ويشير إلى أن تلك “الفروع كلها ما تزال دون مستوى الطموح بكثير”.

ويضيف كاظم، أن “غياب الإدارة الجيدة لهذا القطاع الحيوي أحد أسباب تراجعه إذ لم تكن هناك جهة إدارية تشرف على قطاع السياحة، بل كان في السنوات التي سبقت 2003 موظفاً واحداً يسمى مسؤول لجنة السياحة بالمحافظة وربما هناك موظفين بعدد أصابع اليد الواحدة يديرون قطاع الاثار، برغم الطابع المميز لواسط”، ويبين أن “الغياب الإداري همش السياحة والاثار معاً في وقت توجد في المحافظة العديد من المواقع المهمة التي ما تزال تعاني الإهمال لعدم وجود التخصيصات المالية التي تكفي للارتقاء بها”.

ويذكر مدير دائرة السياحة في واسط، أن “الهيكل الإداري للسياحة في واسط يتمثل حالياً بقسم يضم أربع شعب يعمل بالتنسيق مع الحكومة المحلية، في إقامة المهرجانات، والمشاركة في الفعاليات التي تحمل بعداً تاريخياً وآثارياً”، ويوضح أن “سياسة الوزارة الجديدة تتمثل بالإشراف وتقديم الاستشارات والبحث عن فرص استثمارية من خلال التنسيق مع الحكومة المحلية”.

وينقد كاظم “عدم وجود لجنة للسياحة والآثار في مجلس المحافظة”، ويعد أن ذلك “سبباً رئيساً في تراجع هذا القطاع المهم ونسيانه برغم التعاون القائم بين القسم وإدارة المحافظة التي ترعى العديد من الفعاليات القريبة، ومنها مهرجان سعيد بن جبير الدولي وغيره”.

ويتابع مدير سياحة واسط، أن “هور الدلمج،(50 كم غرب الكوت)، يمكن ان يكون منتجعا سياحية مهماً،  لكنه لم يستثمر بعد بنحو صحيح برغم الدعوات الكثيرة التي وجهتها الحكومة المحلية للمستثمرين المحليين والأجانب”، ويستطرد أن “القسم يسعى من خلال التنسيق مع الحكومة المحلية لإقامة مراس للسفن ومدن مائية على نهر دجلة الذي يخترق محافظة واسط من شمالها إلى جنوبها الغربي، بمسافة أكثر من 300 كم، علاوة على كونه يحيط بمدينة الكوت، مركز المحافظة من ثلاث جهات”.

ألف موقع آثاري غير مكتشف بسبب نقص الأموال

وبشأن المواقع الاثارية في المحافظة، يقول مدير آثار واسط، حسنين الحسيني، في حديث إلى (المدى برس)، إن “نقص التخصيصات المالية تسبب بعدم التنقيب في العديد من المواقع الاثارية المهمة بالمحافظة”، ويضيف أن هناك “نحو ألف موقع آثاري في المحافظة لم يكتشف أو يسجل في هيئة الآثار والتراث في حين تم تسجيل نحو 400 موقع، وهناك خمس فرق للتنقيب تعمل في بعض تلك المواقع لكن عملها محدوداً بسبب قلة التخصيصات المالية”.

ويدعو الحسيني، الحكومة المحلية إلى “تخصيص مبالغ كافية لقطاع الآثار لأهميته، ودعم فرق التنقيب التي تعمل بإشراف الوزارة، والعمل على صيانة وتأهيل المواقع الاثارية والتراثية وحمايتها لتكون قبلة للسياح والزوار”.

مدينة واسط وبقايا المدرسة الشرابية

ولعل من أهم المواقع الاثارية في محافظة واسط، مدينة واسط التاريخية، التي بناها الحاج بن يوسف الثقفي سنة 83   ـ 86 هـ 701 ـ 703م، وكلف إنشاؤها خراج العراق لخمس سنوات متواصلة، أي نحو (43) مليون درهم.

وتقع المدينة إلى الجنوب الشرقي لمدينة الكوت بنحو (55 كم)، لكنها تعاني من الإهمال، وباتت مهددة بالانهيار والسقوط لعدم تأهيلها وتوفير متطلبات بقائها كمعلم يمكن أن يكون يستقطب السياح.

ويقول الباحث مثنى حسن مهدي الغرباوي، في حديث إلى (المدى برس)، إن “لمدينة واسط مكانة ثقافية وفكرية معروفة وشهرة واسعة بوصفها أحد النماذج المعمارية والتراثية التي شيدها المسلمون الأوائل”، ويضيف أن تلك “المدينة كانت تتمتع بسور كبير وأبراج وأبواب وطرقات وجسور وبيوت وأسواق وخنادق، وكان من شواهدها مسجدها وقصرها المعروف بالقبة الخضراء، المقام على مساحة 160 ألف متر مربع، إذ رأى حاكمها أن يتخذها مقرا لحكمه وجعل له قصرا كي يؤمن السيطرة والإشراف وسهولة التحرك العسكري إلى البصرة والكوفة، فالمدينة بنيت ما بينهما ولهذا سميت واسط”.

ويذكر الغرباوي، أن “قصر الحجاج كان يضم حدائق وأحواض وبرك مياه”، ويستدرك “لكن تلك الشواخص اندثرت بفعل الإهمال المتعمد ولم يبق منها إلا أطلال قليلة آيلة للاندثار”.

ويوضح الباحث، أن “منارة المدرسة الشرابية التي ترتفع 11 م، من أبرز المعالم الأثرية في مدينة واسط الاثرية”، ويبين أن تلك “المنارة معرضة للانهيار بسبب الاهمال والتجاوز من قبل الجهلة والسراق”.

البعد والخوف يمنعان أهالي واسط من زيارة أهم موقع أثري فيها

على صعيد متصل يقول الكاتب حميد جابر، في حديث إلى (المدى برس)، إن “معظم سكان المحافظة يسمعون بمدينة واسط التاريخية أو ما تسمى محلياً بالمنارة، لكنهم لم يزورونها لبعد مكانها وما كان يحفه من مخاطر”، ويرى أن “الموقع يمكن أن يحتل أهمية سياحية كبيرة لو امتدت له يد الاعمار والاهتمام لجذب آلاف السياح من بقاع العالم”.

ويدعو جابر، وزارة السياحة والآثار والحكومة المحلية، إلى “الاهتمام بمدينة واسط الاثرية وتوفير المبالغ الكافية لتطويرها وحفظها من الضياع”، ويلفت إلى أن “محاولات للتنقيب جرت في موقع المدينة عام 1936 وأدت إلى الكشف عن مسجد كبير وآخر أصغر منه، ومقبرة وضريح وحصن وغيرها، إلا أنها ما تزال حتى يومنا هذا مطمورة تحت الأرض”.

مشروع سياحي فريد من نوعه

وإزاء موقع مدينة الكوت التي يحتضنها نهر دجلة من ثلاث جهات، فإن الحكومة المحلية تعد بتنفيذ مشروع سياحي كبير يلتف مع حوض النهر، وقد تصل كلفته لأكثر من 800 مليار دينار، يكون فريداً من نوعه على صعيد البلاد.

ويقول محافظ واسط، محمود عبد الرضا طلال، في حديث إلى (المدى برس)، إن “كورنيش دجلة في مدينة الكوت سيكون معلماً سياحياً فريداً من نوعه إذ تم البدء بالمراحل الأولى لهذا المشروع من خلال طرحه أمام الشركات الأجنبية والمكاتب الاستشارية لإعداد التصاميم له”، ويشير إلى أن “المشروع الجديد سيكون بطول 13 كم ويبدأ من منطقة المفتاح في المدخل الشمالي للمدينة، ثم يمر بمحاذاة حوض النهر ويلتف معه لحين الوصول الى منطقة السوادة، (5 كم جنوب شرقي الكوت)”.

ويضيف طلال، أن “المشروع يتضمن إقامة مجسر بطول 13 كم يمتد مع حوض النهر وستكون هناك عدد من الجسور والمجسرات التي تتقاطع معه إضافة الى إقامة مدن مائية وملاعب وحدائق ومتنزها وشاليهات وفنادق ومطاعم حديثة وغير ذلك من وسائل الترفيه واللهو التي تفتقدها المحافظة”.

ويؤكد المحافظ، أن “المشروع طرح بالفعل أمام الشركات المتخصصة لإعداد التصاميم له على أن يتم في المرحلة اللاحقة طرحه للتنفيذ”، ويبين أن “أجزاءً كبيرة من المشروع ستعرض للاستثمار أمام الشركات المتخصصة”.

موقع آثاري أكتشف بالصدفة

ويوضح محافظ واسط، أن “المواقع الاثارية تختلف عن السياحية، فهي من اختصاص دائرة الاثار والتراث وهناك مختصون يقررون العمل فيها والتنقيب والتطوير وليس الحكومة المحلية”، ويتابع أن “المواقع الاثارية في المحافظة محرومة من التنقيب مع استثناءات بسيطة جداً”.

ويكشف طلال، عن “اكتشاف موقع أثري مهم بالصدفة جنوبي قضاء العزيزية،(90 كم شمال الكوت)، نتيجة سيول الأمطار وحفريات المجاري”، ويتابع أن “65 مسكوكة ذهبية تعود لعصور تاريخية قديمة وجدت بالموقع وتم تسليمها لوزارة السياحة والآثار، مع مطالبتها بضرورة التنقيب بالمكان”.

ويؤكد المحافظ، أن “حكومة واسط قامت بتوفير الحماية للموقع المذكور وبناء سياج حوله لكن الفرق المعنية اكتفت بمعاينة الموقع ووعدت بشموله بالتنقيب لاحقاً”.

يذكر أن محافظة واسط ، مركزها مدينة الكوت،(180 كم جنوب شرق العاصمة بغداد)، تضم 18 وحدة إدارية بين قضاء وناحية وتتميز جميع مدنها بمواقع آثارية متعددة لكن الاهم والابرز في تلك المواقع هي مدينة واسط التي تقع في ناحية واسط، وتل البقرات في ناحية الأحرار (30 كم غرب الكوت)، وضريح المتنبي وتل النجمي في قضاء النعمانية (48 كم شمال الكوت)، إضافة إلى المراقد والمزارات المنتشرة في أغلب تلك المدن وأهمها مرقد الصحابي سعيد بن جبير في قضاء الحي (40 كم جنوب الكوت)، ومرقد تاج الدين (120 كم شمال الكوت)، ويقع في ناحية الحفرية التي سميت بعدها باسمه.

ومن أبرز البيوت والمواقع التراثية الأخرى في المحافظة، مسكن القائد البريطاني طاوزند ويقع وسط منطقة الأسواق بمدينة الكوت، وكذلك مقبرتي الانكليز والاتراك.

 

المصدر وكالة أنباء المدى - واسط